رسالة من مدّرس مشروع الصلاة إلى من يهمه الأمر
قال تعالى (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) (لقمان: 17).
ولي أمـر الـطـالب ـــــــــــــــــ المحترم
إن تربية الأولاد، تربية صحيحة يجب أن تنطلق من مبادئ الدين والإيمان، والأخلاق والعمل الصالح، ويقع على رأس الأمور التي يجب على الأهل تربية أبنائهم عليها وتعليمهم إياها: الصلاة.
ولهذا الواجب الملقى على عاتق الأهل برنامج من إجراءات متدرجة وشروط وضوابط ، من المعلوم والشائع أن الصلاة غير واجبة على الأطفال ما قبل سن البلوغ الشرعي، لكن عدم الوجوب والمؤاخذة لا يعني أن يترك الأطفال قبل سن البلوغ دون أي برنامج أو طلب شرعي محدد، وقد ورد في أحاديث أهل بيت العصمة روايات كثيرة عن تعليم الأولاد الصلاة، نذكر منها ما ورد عن النبي (ص): «إذا عرف الغلام يمينه من شماله فمروه بالصلاة»
وعن الحسن بن قارون قال: «سألت الرضا (ع) عن الرجل يجبر ولده وهو لا يصلي اليوم واليومين؟ فقال (ع): «وكم أتى على الغلام»؟ فقلت: ثمان سنوات، فقال (ع): «سبحان اللَّه، يترك الصلاة؟» قلت يصيبه الوجع، قال (ع): «يصلي على نحو ما يقدر»
دور الأهل (الأب والأم والقيمين) في تعليم الصلاة
بحسب المستفاد من صريح الروايات أن الخطاب في تعليم الصلاة للأولاد موجه أساساً للأب والأم، فالأسرة هي المكان الذي يجب أن ينطلق منه الولد ليتعلم الصلاة ويحترمها ويثابر عليها، فأهله هم قدوته وأسوته، والتوجيه الصادر عنهم، وسلوكهم الذي يقومون به يترك أثراً مباشراً وكبيراً في نفسه وعلى سلوكه، لذلك، فإن قيام الأهل بالصلاة والمحافظة عليها سيخلق استعداداً كبيراً عند الولد للتقليد، ثم للالتزام عن فهم وقناعة، ومن هنا يتأثر مستوى تعليم الولد للصلاة واحترامه لها بمستوى محافظة الأهل عليها واحترامهم لها
متى نعلِّم الولد الصلاة؟
يوجد للجواب عن هذا السؤال ثلاث جهات:
الأولى: جسدية ونفسية، وهي تتعلق باستعداد الولد وقابليته، ولا شك في أنه وبمجرد قدرته على التحكم بعضلاته وتحركاته البدنية بحيث يبدأ بالتعود على ممارسة أمور جسدية يقوم بها بانتظام ودون مساعدة أحد، كنزول الدرج وصعوده ،والركض المتوازن إلى مسافة ما، عندئذ يمكن له القيام بأفعال الصلاة الجسدية التي هي أقل جهداً، فلا إشكال بتاتاً في الطلب منه أن يفعل ذلك.
الثانية: تربوية وروحية، وهي مسألة في غاية الأهمية، وهي سبب كل الحث الشرعي على تعليم الصلاة، فالولد الذي يتفتح على الحياة ولديه فطرة نقية يكون محتاجاً بل مستعداً إلى ذلك السلوك الروحي، والارتباط بخالقه، ويمكن له أن يؤسس لعلاقة متنامية بالغيب والإيمان به، وكذلك فهو، وإن كان غير قادر على إدراك الكثير من المعاني العظيمة للصلاة، ولكنه يضع قدمه على طريق المعرفة والفهم الذي يؤهله تدريجياً لذلك، فيتعمق إيمانه وتدينه، وتتحصن شخصيته من المفاسد والرذائل، وتسلم فطرته من التشوه.
الثالثة: شرعية وفقهية، حيث وردت أحاديث كثيرة تحدّد العمر الذي نُعلِّم فيه أولادنا الصلاة، وقد تردد العمر الوارد ما بين ست سنوات وعشر سنين. نذكر بعض الروايات:
وعن الإمام الصادق (ع): «مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين».
وعن الأمير (ع): «علموا أولادكم الصلاة وخذوهم بها إذا بلغوا ثمان سنين».
ويظهر أن الاختلاف في تحديد بداية التعليم والأمر بالصلاة أمر عائد إلى مرونة الأمر والتساهل فيه في البداية وإلى التدرج بحسب عمر واستعداد الأولاد وتفاوت قدرتهم، وهو واضح في تحديد البداية على نحو التخيير العائد للأهل لتشخيص الأمر وترتيب مقدماته، وهذا يدل على أن صلاة الأولاد في هذا الوقت هي من باب التمرن على تلك العبادة إلا أنه على الأهل أن يلزموا أولادهم في عمر معين وهو ثمان سنين وهذا ما يدل عليه قوله (ع): «وخذوهم بها…».
مراحل تعليم الصلاة للأولاد
من الواضح أن صحة الصلاة تتوقف على أفعال من أركان وأجزاء، وعلى شروط كثيرة، والإتيان بها على وجهها أمر يصعب أن يتحقق دفعة واحدة من الإنسان العادي، فكيف بالصغير الناشئ. لذلك، من الضروري على المستوى التربوي والتعليمي التدرج فيها، وعلى الأهل أن يتدرجوا في تعليم أولادهم الصلاة، بحيث يستوعبها الولد فعلاً ، وشرطاً بمرونة ويسر، فيحبها ولا ينفر منها أو تصيبه العقدة من صعوبتها.
لذلك، فقد ورد عن الصادق (ع): «يترك الغلام حتى يتم له سبع سنين، فإذا تم له سبع سنين قيل له: اغسل وجهك وكفيك، فإذا غسلهما قيل له: صل، ثم يترك حتى يتم له تسع سنين، فإذا تمت له علم الوضوء…»(6).
تعليم الصلاة: بالترغيب أم بالترهيب؟
من البديهي أن تربية الأولاد على السلوك الصحيح والعادات القويمة يستلزم انتهاج الأساليب التربوية والشرعية التي تساعد على ذلك، وتحقق الأهداف المطلوبة.
وبالنسبة لتعليم الصلاة فبعد الفراغ من الاستعداد الفطري العادي عند الأولاد للعبادة والتوجه إلى الخالق، ومن جو الأسرة المحافظ على الصلاة والمحترم لها، فإن هناك أساليب تربوية تنقسم إلى:
1 أساليب ترغيبية: وهي حث الولد على الصلاة، وشرح أهميتها وفضلها وآثارها في الدنيا والآخرة، ومدح الولد والثناء عليه وإثابته وتحفيزه على كل خطوة يقوم بها مهما كانت صغيرة في هذا الاتجاه. وهذا النوع من الأساليب هو الأفضل والأنجح، لذلك يجب التركيز عليه، والاطلاع على كل الطرق والأفكار والتجارب الصحيحة لاستخدامها.
2 أساليب ترهيبية: وهي مجموعة العقوبات المعنوية والمادية التي يمكن استخدامها كوسائل متناسبة لردع الولد عن ترك الصلاة، وهي تبدأ من أمور صغيرة قد تشكل فعالية أكثر من غيرها، كالامتناع عن ملاعبته، أو العبوس في وجهه، أو عدم شراء بعض ما يطلبه، أو حرمانه من بعض الأمور التي يهواها وغيره، على أن يكون ذلك بالمقدار اليسير المؤثر والذي لا يصاحبه فعل انتقام أو إذلال، وأيضاً يخضع للتوجيه الشرعي، لأن المقصود من العقاب هو الوصول إلى النتيجة الإيجابية.
فلنتكاتف معنا من اجل تربية نشى صالح أساسه التقوى والعمل الصالح