التملق والمتملقون
قيل قديمًا “الطبع يغلب التطبع” فكلُّ امرئ يعمل وفق طبعه وطبيعته، ولا شكّ أنَّ ابن آدم ينزع إلى فطرته والجبلة التي فُطِرَ عليها، ويصادفك في هذه الحياة ألوان متلونة من بني البشر، فترى فيهم الكريم والبخيل، والصادق والكاذب، والأمين والخائن، والطيب واللئيم… إنها ثانئية أودعها الله في قلوب عباده، فما كان للكريم أن يكون حسنًا لو لم يكن البخيل قبيحًا، فالضِّـدُّ يبرز حسنه الضد ولا بد من هذه المقابلة لإبراز الأفضل وبيان الأكمل.
والمهم هنا أن تتعرف على مختلف أجناس الناس، وأن تميز بعقلك أي النجدين تختار، وكل هذا أمر ميسور إذا حكَّم الإنسان عقله وتمعَّن بصدق في تصرفات أقرانه من الآدميين، فحينها سيميز الخبيث من الطيب، وينتقي قرناءه بكل أريحيَّة، فيخالط من طاب ويبعتد عن من خَـبُــث.
ولعلَّ المعضلة التي قد تنطلي على العقل، هو التملُّق والتكلُّف، فالمتملِّق أمامك حسنُ الخلق بشوش الوجه، يُسْمِـعُكَ أطيب الكلم وأحسن الحديث، فإذا خلا بعضهم إلى بعض بان معدن كل واحد منهم وبانت الحقيقة وانقشع الزيف، فترى ذاك الذي استلطفته بالأمس، ينقلب شيطانًا يتربص بك الدوائر، ويحيك في جوف الليل المكائد للناس، لإيقاعهم في فخ الشيطان الخناس. وبئس القوم هؤلاء من يظهرون الطيب والاستقامة ويبطنون الانحراف والعداوة، فعلى الإنسان بالإضافة إلى تطلعه لظواهر الأمور أن يحقق في بواطنها من غير شك ولا ريبة، ففي عصرنا والذي عُرِفَ بعصر الفتنة، كثر المتملِّقون المتطبِّعون ولعل لهم في المجتمع مكانة مرموقة وسمعة مشهورة، ومع ذلك لا تخلو قلوبهم من الشوائب والأوبئة.
فعلى الإنسان العاقل، النظر إلى من يخالطه من الناس والوقوف مع نفسه وقفة تقييم لسولكيات هذا الشخص مع تجاهل الأهواء والمصالح الشخصية الضيقة البحتة، فإن أقر في نفسه أن هذا من المؤمنين الصالحين فليمدد يده إليه ليستزيد منه، فمصاحبة الأخيار تغرس في النفس الإنسانية القيمَ العالية والأخلاق الكريمة وتحثها على الاستقامة والالتزام، وأما إذا وجده شخصًا ذا خلق سيء وخصال فاسدة فحَرِيٌّ به الابتعاد عنه وتجنبه لئلّا يجره إلى ما هو عليه ويصبح كشاكلته، فالحذر الحذر من كل متملِّق يسعى للإفساد بين الناس.
بقلم: محمود حبيل