محاولة الإكتشاف و الوصول إلى الحقيقة ..
كانت و لا زالت التجارب محطةً مهمة للإنسان منذ أن حمّله الله أمانته ، بل أضحت التجارب بمثابة المختبر لتحديد المواصفات و المقاييس في الحياة ، و أيُّ فائدة تُرجى من تجاربٍ لا تخرّج لنا القوانين و القواعد و التي تساعد صاحبها للوصول إلى تكامل أفضل و أجمل ، من خلال الدخول إلى مسارات جديدة و محاولات مستمرة في سبيل الرقيّ و التطوير و سد النواقص ..
يقول الإمام علي (ع) : “و في التجارب علمٌ مستأنف” أي أن في التجارب بابٌ يطل على عالم المعرفة الكبير ليصل بصاحبه إلى الإكتشاف و الوصول إلى عين الحقيقة في هذا العالم الكبير ، و لو لم تكن التجارب لأمسى الإنسان ينام على بساط الجهل و التحجّر ..
و قد وضع علماء الإدارة 5 نقاط رئيسية للوصول إلى تمام مراحل التجربة
1/ التفكير ، و فيه تكون البداية نحو التغيير .
2/ وضع الفرضيّات ، و محاولة إعطاء المسألة أبعاداً جديدة .
3/ العمل ، و التنفيذ أو الإختبار العملي .
4/ المراقبة ، من خلال ملاحظة التغيّرات .
5/ الإستنتاج ، حيث تُدرس في النهاية المؤثرات و النتائج التي تفضي إلى القواعد العامة .
في اليابان ، حاول بعض المسؤولون التقليل من إستهلاك الكهرباء في إحدى ناطحات السحاب من أجل إدخار الجهد و المال ، و بعد التدقيق تم إكتشاف أن “التكييف” هو المستهلك الأكبر للكهرباء ، فتمت الدارسة و العمل و المراقبة ثم الوصول إلى قانونٍ جديد يحظر على الموظفين إرتداء “ربطة العنق و البدلة الرسمية” لأنهم وجدوا الربطة و البدلة سبباً رئيسياً في إستخدام أجهزة التكييف بصورة مفرطة !!!
و بعيداً عن اليابان فالتجربة لا تقاس من خلال عدد السنين ، إذا لم تتحوّل إلى أداةٍ يُستفاد منها ، و من السهل أن نرى في كثيرٍ من المؤسسات أن من يعمل في وظيفة ما لمدة 20 عام لا يتجاوز مجموع مهاراته لآخر أمضى 10 سنوات ، و هو ما يُثبت أن التجارب لا فائدة منها إذا لم تتحوّل إلى قواعد عامة ، تماماً كمثل إستخدام آنيةٍ جديدة للشاي و تجربة كميّة السكر فيها ، فإذا لم أستخلص إلى الكميّة المطلوبة منذ التجربة الأولى ، فلم التجربة إذن ؟!
هناك من يفشل في تطبيق تجربة ما بعد أن تفاعل معها ، لكن متى ما أراد نقل هذه التجربة و العمل بها في محيطٍ آخر لم ينجح ، و قد يعود ذلك إلى إختلاف البيئة والظروف المحيطة .
في الشركات العملاقة ، تضع الإدارات هناك قواعد و أسس لمحاولة الوصول إلى أقصى درجات التكامل من خلال وضع البرامج الأمنية و نظام العمل و المعاملات ، بناءاً على كشوفات و تجارب سابقة ، و يتم مراجعة الثغرات التي يمكن أن تُأثّر على مستقبل تلك المنشئات ، و تقوم على إنشاء قسم للدراسات و مراجعة بنود الإتفاقات و محاولة الإستفادة من تجارب الآخرين في شتى المجالات المشتركة.
إن في نقل التجربة أمتدادٌ نحو التطوّر و أسلوبٌ مثالي لمن أراد الصعود إلى أعلى سُلّم المعايشة مع عالم اليوم ، و كم رأينا إلى أين وصل الإنسان من دراية و علم بواسطة التجربة ، لكن ما يدعونا للأسف دائماً هو أن نقل تجارب الآخرين لم نلحظه إلا في قوالبه السلبية !!
ياسر عبد الله خميس