سعيد في الفراش
انتصف النهار، و سعيد ما زال قابعاً في فراشه، لم يذهب كعادته إلى المدرسة، وهو الذي يجهد نفسه كي لا يتغيب أبداً، إلا أنه هذه المرة يرزح تحت وطأة المرض، وقد منعه الطبيب من مغادرة المنزل حتى لا تتفاقم حالته أو يعدي رفاقه.
كانت حرارته مرتفعة جداً، عندما قصد عيادة الطبيب برفقة والده، وهو يصر أن ما به مجرد عارض بسيط سرعان ما يتماثل للشفاء منه:
لست بحاجة للطبيب يا أبي- .
يا بني، لا بد من عرضك على الطبيب، حتى يصف لك الدواء المناسب، إذ لا يمكن تجاهل أي مرض فلربما كانت نتائجه وخيمة. –
– أنت محق يا أبي.
وصل سعيد إلى عيادة الطبيب مازن، وجلس على المقعد الجلدي ينتظر موعده، فقد وصل قبل الوقت بعشر دقائق، كان كل ما في العيادة أبيض اللون جميلاً، إلا الكنبة الجلدية فكانت سوداء، متوائمةً مع بعض الأثاث الملون.
أشد ما لفت نظر سعيد اللوحة المقابلة للباب، فتقدم منها محدقاً ثم عاد وجلس مكانه بجانب والده.
وما هي إلا لحظات حتى طلبت إليه الممرضة الدخول.
ما بك يا سعيد؟
سؤال طرحه الدكتور مازن مازن بعد أن جلس سعيد على السرير للمعاينة.
إنني مصاب بنزلة صدرية، وحرارتي مرتفعة جداً، ويصر والدي على وجود التهابات، إذ أن الحرارة تصاحب الإلتهابات دوماً.
ابتسم الدكتور مازن، أو (صاحب الجبهة العريضة) كما يحب أبي أن يناديه، وشرع بالمعاينة.
كان الدكتور مازن رجلاً طموحاً، صديقاً لوالدي منذ فترة طويلة من الزمن، لعلها تعود إلى أيام الدراسة الثانوية، وهو خير نموذج للشباب المؤمن، المثقف، وكنت أفرح كثيراً عندما يحضر لزيارتنا، كان يهتم كثيراً بمظهره الخارجي، ويعتبره ضرورياً فقد أوصى بذلك النبي محمد (ص) والأئمة عليهم السلام.
أنت تحتاج إلى ثلاثة أيام للراحة يا صغيري، فالوضع ليس خطراً الآن، ولكنه قد يغدو خطيراً كما قال أبوك. ولا بد من تناول الدواء بشكل منتظم، وعليك بالابتعاد عن إخوتك قدر الإمكان كي لا تصبيهم العدوى.
كان الدكتور مازن يتحدث مع سعيد ويداه تتحسسان جبهته، والفتى ينظر في وجه والده الذي كان ينتظر في الصورة المعلقة على الحائط، وهي نسخة مكررة عن تلك الموجودة في غرفة الإستقبال.
قام الأب من مكانه، و توجه نحو اللوحة يدقق النظر فيها، فأنقذه من شروده صوت صديقه الطبيب:
هل أعجبتك اللوحة؟-
نعم وأنا معتاد عليها ولكني أحاول أن أتبين ما لفت نظر سعيد فيها، لقد استرعت انتباه الفتى، فتأملها كثيراً وهو بالخارج.-
تركنا العيادة، ونفذت ما قاله الطبيب بدقة، فابتعدت عن أخوتي ما أمكن، وفي اليوم الثالث عندما تماثلت للشفاء، و لم أعد خطراً على أحد جائني زائر لم أكن أتوقعه.
كان الضيف هو الدكتور مازن يرافقه ولده رامي، الذي يقاسمني طاولة الدراسة في المدرسة، وقد جاء يحمل في يديه، دروسي وهدية ملفوفة، و كالعادة كان يحتم علي فتح الهدية، وأشد ما أدهشني ما رأيت.
من أية مادة تريد أن نبدأ يا سعيد؟؟-
من مادة الدين-.
كان يدرك رامي أنني سأختار هذه المادة أولا لمعرفنه المسبقة بشغفي بها.-
لقد شرح لنا الأستاذ عن الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام. وهو الإمام العاشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام.-
وماذا قال لكم ؟-
لقد ولد الإمام الهادي في المدينة في شهر رجب في ضيعة تدعى صربا وعاش مع والده الإمام الجواد فترة قصيرة من الزمن وقد أولاه الإمامة والده قبل وفاته وهو صبي في التاسعة من عمره وكان على صغر سنه منهلاً عذباً لرواد العلم من مختلف البلاد والمناطق.
انطلق رامي يحدث عن الإمام الهادي عليه السلام وقتا فذكر بعضا من حكمه، ومواعظه التي حركت مشاعر الجالسين وكان سعيد أكثر المتأثرين.
فتح سعيد الهدية فإذا هي صورة لمشهد طبيعي، بيت صغير أمامه راع يحمل عصاه على كتفه، وفي أعلاها كيس يضع فيه طعامه، وينحدر من تحت المنزل جدول من المياه يمر في القناة المخصصة لذلك. لكن دهشته الكبرى كانت أن اللوحة هي تلك الجميلة المعلقة على الحائط في عيادة والد رامي.