الزهراء (ع) أم أبيها
لم تجتمع العائلة كلها كما كان مقررا ذالك المساء، لقد تغير عنها الولد، وفقد الاطفال الثلاثة أي امل بالسهرة الموعودة.
تبدل الشعور بالفرح، وبدأ الاطفال ينظرون الى بعضم بعضا دون ان يمد أحد يدة للطعام، وجهدت الام فأكل الاولاد وتوجهوا الى النوم.
لكن سعيد بقي أمام أمه يفكر.
إن المسلم المؤمن هو الذي يلتزم بالمواعيد التي يقطعها على نفسه، خاف سعيد أن يكون ان أصابه مكروه، فنظر الى أمه المنتظرة بهدوء وسكينه، وسألها الا تدرين السبب الذي دفع والدي الى التاخر؟
كلا، يا بني، لو كنت أعرف لطمأنتك، ولكنها المرة الاولى التي يتخلف فيها والدي عن موعدة قطعه!
سوف يأتي يا بني، لا تخف، إن والدك رجل راشد ويعرف كيف يدبر أمورة، لا تخف.
هل نتصل بمركز عملة.
لا يا بني، إن مركز عمله مقفل في مثل هذة الساعة، اذهب الى النوم يا حبيبي، وسأوقظك عند حضوره.
قام سعيد وكان قد سبقه أخوه وأخته كل الى فراشة، وبعد ان غسلوا وجوههم، ونظفوا أسنانهم كعادتهم كل ليلة.
الا أن سعيدا لم ينم، توجه الى فراشة لينام، ولكن الافكار السوداء لم تفارق مخيلته بقي يتساءل عن سبب تأخر الوالد، وعدم حضوره، لكن سلطان النوم غلبة، فأطبق عينيه البريئتين وغط بنوم عميق.
تقدم منه والده مشرق الوجه، حسن الهندام كعادته والبسمة تعلو ثغره، أخذ سعيدا من يده وسار معه الى الحديقة الجميلة غناء، تتدلى من أشجاره الثمار الطيبة الناضجة، وتتلاعب بأغصانها العصافير وهي تبني أعشاشها، أما الساقية ذات الخرير الجذاب يبعث في النفوس الراحة والاطمئنان، وكأنها وجدت كي تعزف لحن الطبيعة.
شاهد سعيد على جانب الساقية شيخا كبيرا ذا لحية بيضاء، ووجه ملائكي، تحسب في نضرة النعيم، يتطلع من حوله، ويتكلم بصوت مطمئن هادئ.
نضر سعيد الى والده وهم أن يتكلم، ليسأله عن هذه الرحلة المفاجئة، لكن الولد أشار الية بالتزام الصمت، اقتربا من الشيخ حتى أصبحا يسمعان ما يقول، وأخذا جذع شجرة، وجلسا.
سمع سعيد الشيخ يتحدث عن سيدة عظيمة، قال عنها رسول الله(ص) أنها ام ابيها، وهي سيدة نساء العالمين، فعرف أن الشيخ يتحدث عن السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، عندها أنصت بكل جوارحه لما يتحمله في قلبه من حب وعشق لابنة رسول الله (ص).
كأن الشيخ يقول… لقد ولدت السيدة الزهراء عليها السلام في 20 جمادى الاخر، وكان عمر رسول الله (ص) خمسا واربعين سنه، في بيت الطهر والنبوة، فأمها السيدة خديجه بنت خويلد، التي حامت ونصرت رسول الله(ص).
نمت السيدة فاطمه(ع) آخذه عن أبيها رسول العلوم الالية، ودروس التوحيد، وحقائق الاسلام، وأخذت تعلو مدارج الكمال بنفسها الشريفة.
ولدت فاطمة (ع) فأبصرت معاناة والدها والامه في سبيل نشر الدعوة الاسلامية، دعوة الله فكانت له الناصر والمعين، تمسح عن ظهره وثيابه ما يرمونه عليه كي يجبرونه عن التخلي عن الدعوة الالهية، وتعتني به كما تعتني الام بأولادها، فلقبها بأم ابيها، نضر سعيد إي والده وابتسم قائلا:
أن السيدة فاطمة الزهراء (ع) عظمية، لقد استطاعت أن تعوض الرسول (ص) حنان الام والاب، وأن لقب (سيدة نساء العالمين) لا يقتصر على أهل زمانها فقد فضلت على نساء العالمين حتى يوم القيامة.
استيقظ سعيد من نومه على فم يقبل جبهته، ويد تحنوا، أدرك عندها أن والده قد عاد فابتسم له، واستوى على سريره يخبره بالحلم الذي رآه، وهناك سأله الاب:
وماذا تعلمت من هذا الحلم يا بني؟
تعلمت أن أقتدي بالسيدة الزهراء(ع) بأن لا أرفع صوتي بوالدي، وأكون ابنا بارا، لا يعصي أوامرهما، ولا يغضبهما، لأنهما يعملان كي يرفعا من شأني في المجتمع وعند الله عز وجل.
نعم يا بني، هذا بعض من أخلاق السيدة فاطمة الزهراء (ع)، وأدعوك كي تقرأ سيرة حياتها، فأنها مليئة بالتعاليم الرفيعة.
غرق الفتى سعيد في حضن والده، وقبلة، دون أن يسأله عن سبب تأخره وعاهد الله أن يكون الابن المطيع والمحب.